سورة الإسراء - تفسير نيل المرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


الآية الأولى:
{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29)}.
{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ}: هذا النهي يتناول كل مكلف، وقد وجه الخطاب للنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم تعريفا للأمة وتعليما لهم، وإن كان الخطاب لكل فمن يصلح له من المكلفين.
والمراد النهي للإنسان أن يمسك إمساكا يصير به مضيقا على نفسه وعلى أهله، ولا يوسع في الإنفاق توسيعا لا حاجة إليه بحيث يكون به مسرفا، فهو نهي عن جانبي الإفراط والتفريط، ويحصل من ذلك مشروعية التوسط وهو العدل الذي ندب اللّه إليه.
ولا تك فيها مفرطا أو مفرّطا *** كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وقد مثّل اللّه سبحانه في هذه الآية حال الشحيح بحال من كانت يده مغلولة إلى عنقه بحيث لا يستطيع التصرف بها ومثّل حال من يجاوز الحد في التصرف بحال من يبسط يده بسطا لا يتعلق بسببه فيها شيء مما تقبض الأيدي عليه، وفي هذا التصوير مبالغة بليغة.
ثم بين سبحانه غاية الطرفين المنهي عنهما فقال: {فَتَقْعُدَ مَلُوماً}: عند الناس بسبب ما أنت عليه من الشح.
{مَحْسُوراً (29)}: بسبب ما فعلته من الإسراف، أي منقطعا عن المقاصد بسبب الفقر.
والمحسور في الأصل: المنقطع عن السير.
وقيل: معناه نادما على ما سلف.


الآية الثانية:
{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33)}.
{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً}: أي لا لسبب من الأسباب المسوغة لقتله شرعا.
{فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً}: أي لمن يلي أمره من ورثته إن كانوا موجودين، أو ممن له سلطان إن لم يكونوا موجودين، والسلطان التسلّط على القاتل إن شاء قتل وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية.
{فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ}: أي لا يجاوز ما أباحه اللّه له، فيقتل بالواحد الاثنين أو الجماعة، أو يمثّل بالقاتل أو يعذبه.
{إِنَّهُ}، أي الولي.
{كانَ مَنْصُوراً (33)} أي مؤيدا معانا، فإن اللّه سبحانه نصره بإثبات القصاص له بما أبرزه من الحجج وأوضحه من الأدلة، وأمر أهل الولايات فبمعونته والقيام بحقه حتى يستوفيه.
وقيل: هذه الآية من أول ما نزل من القرآن في شأن القتل لأنها مكيّة.


الآية الثالثة:
{وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36)}.
{وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}: أي تتبع ما لا تعلم، من قولك: قفوت فلانا إذا اتبعت أثره. ومنه قافية الشعر لأنها تقفو كل بيت، ومنه القبيلة المشهورة بالقافة لأنهم يتبعون آثار أقدام الناس.
ومعنى الآية: النهي عن أن يقول الإنسان ما لا يعلم أو يعمل بما لا علم له، وهذه قضية كلية.
وقد جعلها جماعة من المفسرين خاصة بأمور، فقالوا: لا تذم أحدا بما ليس لك به علم.
وقيل: هي في شهادة الزور.
وقيل: هي في القافية.
وقال القتيبي: معنى الآية لا تتبع الحدس والظنون، وهذا صواب، فإن ما عدا ذلك هو العلم.
وقيل: المراد بالعلم هنا هو الاعتقاد الراجح المستفاد من مستند، قطعيا كان أو ظنيا.
قال أبو السعود في تفسيره: واستعماله بهذا المعنى لا ينكر شيوعه.
وقال الشوكاني: أقول: هذه الآية قد دلّت على عدم جواز العمل بما ليس بعلم، ولكنها عامة مخصصة بالأدلة الواردة بجواز العمل بالظن كالعمل بالعام وبخبر الواحد، والعمل بالشهادة، والاجتهاد في القبلة، وفي جزاء الصيد ونحو ذلك، فلا يخرج من عمومها ومن عموم أن الظن لا يغني من الحق شيئا، إلا ما قام دليل جواز العمل به، فالعمل بالرأي في مسائل الشرع إن كان بعدم وجود الدليل في الكتاب والسنة فقد رخص فيه النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كما في قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لمعاذ لما بعثه قاضيا: «بم تقضي؟ قال بكتاب اللّه. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول اللّه. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي».
وهو حديث صالح للاحتجاج به، كما أوضحنا ذلك في بحث مفرد.
وأما التوثب على الرأي مع وجود الدليل في الكتب أو السنة، ولكنه قصّر صاحب الرأي عن البحث فجاء برأيه فهو داخل تحت هذا النهي دخولا أولياء، لأنه رأي في شرع اللّه، وللناس عنه غنى بكتاب اللّه سبحانه وسنّة رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولم تدع إليه حاجة، على أن الترخيص في الرأي عند عدم وجود الدليل، إنما هو رخصة للمجتهد، يجوز له أن يعمل به ولم يدل دليل على أنه يجوز لغيره العمل به وينزله منزلة مسائل الشرع.
وبهذا يتضح لك أتم إيضاح ويظهر لك أكمل ظهور، أن هذه الآراء المدونة في الكتب الفروعية ليست من الشرع في شيء، والعامل بها على شفا جرف هار.
فالمجتهد المستكثر من الرأي قد قفى ما ليس له به علم، والمقلد المسكين العامل برأي ذلك المجتهد قد عمل بما ليس له به علم ولا لمن قلده، ظلمات بعضها فوق بعض. انتهى.
وقد قيل: إن هذه الآية خاصة بالعقائد ولا دليل على ذلك أصلا، بل علل اللّه سبحانه النهي عن العمل بما ليس يعلم بقوله: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ}: أشار إلى الثلاثة الأعضاء، وأجريت مجرى العقلاء لما كانت مسؤولة عن أحوالها شاهدة على أصحابها.
وقال الزجاج: إن العرب تعبر عما يعقل وعما لا يعقل بأولئك.
وأنشد ابن جرير مستدلا على عدم جواز هذا، قول الشاعر:
ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى *** والعيش بعد أولئك الأيام
واعترض بأن الرواية بعد أولئك الأقوام، وتبعه غيره على ذلك الخطأ كصاحب الكشاف.
والضمير في (كان) من قوله: {كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36)} يرجع إلى كل، وكذا الضمير في عنه.
ومعنى سؤال هذه الجوارح: أنه يسأل صاحبها عما استعملها فيه لأنها آلات، والمستعمل هو الروح الإنساني، فإن استعملها في الخير استحق الثواب وإن استعملها في الشر استحق العقاب.
وقيل: إن اللّه سبحانه ينطق الأعضاء هذه عند سؤالها فتخبر عما فعله صاحبها.

1 | 2 | 3